Home

مُفتاحٌ


أيهذا القلبُ، وفيكَ كُلُ البأس! ألا لكَ من غفوةٍ تغفلُ فيها عن بعضِ اليأس؟


ذاتَ مساءٍ أهديتَني كتابًا نُقِشَت عليه أحرفٌ بالـحبّ قد كُتبت، وبالعناية قد حُفظت.. كتابًا دُرتُ معه، وبه، وفيه إلى سفوحِ جبالٍ لم تطأها قدماي سَلَفًا، فـهرعتُ لها طَوعًا..

في ليلةِ الفَقدِ الأولى، عانيتُ من شيءٍ وصفوه بالحماقة، شيءٍ طَاحَ بعقلي، وأجفلني ليلةً واثنين وثلاث.. شيءٍ لأجله أردتُ ما كتبته قَبلًا، وما ضاعَ منّي غصبًا.. أتذكرُ بأنّي وعدتُ ألا تلمسه يداي بعد ساعاتٍ من الحَنين والضَجر، ولكن، أينَ أذهب تحتَ قَطرات المَطر؟ فـما قرأته كانَ بيتًا عامرًا، وما كانَ ينقصه سوىٰ مُفتاح! في الليلة الرابعة، وعيتُ وأخيرًا لما صارَ، وبدأتُ في الاستقرار.. دُرتُ حانقةً باحثةً في الأركان، يدفعُني قلبي اللهفان، وأنيني الذي من عَظَمة البأس قد تفاقمَ وبان.. امتدّت الساعة لاثنتين وثلاث، وبحثٌ تضاعفَ لأبحاث.. إلى أن دقّ القلبُ مُنبهًا، مُصرًا، عازمًا.. فـغضضتُ الطرف حينًا، وابتسمتُ حينًا آخر.. إلا أنني أدركتُ ماهيةَ المُفتاح! في الليلة التاسعة، تلذذتُ بتلكَ المُعاناة، واستشعرتُ رونقها، وذُبتُ فيها عامدةً مُتعمدةً.. لذّتها أنها حُبٌّ.. لذّتها أنها هيامٌ.. لذّتها وإن عانقها الأسى، وأحاطَ بها الوَهن، أنها لكَ.. ألقيتُ بـبصري مُتصفحةً ما خَطّته أناملكَ، مُتأملةً، مُحبةً، واقعةً في حُبّ الأسطر.. عَلِمْتُ حينها أنَّ ما كانَ بانتظاري ليس إلا دربًا جديدًا يلحفه شعورٌ لم أعلمه أبدًا، ولأجل الخَلاصِ أهدرته عَمَدًا.. وبعدَ عامٍ، ها أنا أعودُ من جديدٍ، أفتحُ الكتاب -الذي ضيعتُ مُسبقًا- بعدَ عناءٍ، مُبتسمةً حدَ السماء.. تزكمُ أنفي رائحة الورق، محفوفةً بشريطِ ذكرياتٍ، وعبق.. مُعربةً عن ليالي الأرق.. فـلقد فُتحَ الكتاب، ومعه كانَ الجواب.. مُفتاحٌ كانَ معي، وقصدته.. مُفتاحٌ كانَ لكَ، ونسيته.. مُفتاحٌ كانَ ولا زال مُفعمًا بالحُبّ، يبعثُ السحر.. لم تلمسه الأيادي، ولم يُضعفه تغيُّرُ الفصول.. وكلُ شيءٍ تلاشىٰ سواه.. مُفتاحٌ أسميته (قَلبي..)