أحيانًا يكونُ الموتُ أرحمَ نهايةٍ للـحُبِّ
لو كُنت أعلم أن النعيمَ الدُنيوي هو الحُبّ.. لأجفلتُ عن كلِّ شيءٍ سواه..
وددتُ لو علمتُ ما يفعله الحُبّ فينا، في قلوبنا نحنُ المُحبّون.. وددتُ لو أدركتُ كيفَ له أن يسلبُنا من الحياة، ومآسيها، ونزاعاتها، ويفتحُ لنا آفاقًا لم تطرقْ على بالنا يومًا.. وددتُ لو رأيتُ بأمّ عيني كيفَ تحولُ المآسي إلى لذة، والنزاعات إلى لهفة، والعادية إلى وصفةِ حُبّ شهية لا يُشبَع منها أبدًا.. وددتُ لو عِشتُ داخلَ قلبٍ ينبضُ بالحُبِّ لا سواه، فأحيا على دقّاتٍ شغوفة، وأغفو على أخرى حانية، ولا يُصيبُني المَللُ منهن قَط.. كثيرًا ما وددتُ، وكثيرًا ما رغبتُ، وكثيرًا ما صدقَ شعوري لأجل الحُبّ الساكن وحده لا سواه.. لو كُنت أعلمُ أنَّ الدعوات تَضحى حقائق، وأنَّ الساعات برفقةِ مَن أحبّ تصيرُ دقائق، لفعلتُ كلَّ ما بوسعي، والتزمتُ جوارَه أبدَ الدَهر.. لو كُنت أعلمُ أنَّ الحياةَ وحدها دقائق، وثوانٍ، لـعِشتُ في قلبه عددَ ما قُدِّر ليَّ وله من الأنفس، لـعِشتُ في حِصارِ عينيه، لأمسكتُ بتلابيب قلبه هكذا كالقط المذعور.. لاستمعتُ لصوته آلاف المرّات؛ لأنه في أذني أجملُ من أجملِ أغنيات فرانك سيناترا.. لأحببتُ الحربَ؛ لأنها فقط تُذكّرُني كيفَ آلت بنا الأمور في معركةِ قلبينا، وكيفَ دعتنا راغبين في السلام.. سُرعانَ ما عِشتُ داخلَه.. وسُرعانَ ما توقف نبضه.. في جناتِ النعيم الأزلي نرىٰ كُلَّ ما اشتاقت له أعينُنا، نسمعُ ما وددناه سماعه، ما هرولنا خلفَ امتلاكه، ما عزفنا عنه مرة، وما أردناه كل مرة.. في جناتِ النعيم الأزلي نحيا مُحبّين، سالمين، غير كارهين، يتمسكُّ كُلُّ منّا بأيدي حَبيبه، ومحبوبه.. في جناتِ النعيم الأزلي لا فراقَ، ولا ظُلمَ، ولا خِداع.. فقط نشعُّ جمالًا، ونبصرُ جمالًا فوقَ كلِّ جمال.. حتى تلكَ الـ(فقط) في جناتِ النعيم الأزلي تظلُّ نسبيةً لنا، تُدهشُنا في كل شهيقٍ، وزفير.. في كلِّ غمضة عين، وفي كلِّ نبضة قلب.. يومًا ما أدركتُ ماهيةَ الموت.. يومًا ما حاصرني الرعب.. يومًا ما أردتُ النعيم، والذي دومًا ما كانَ له وجهان..